الأربعاء، 27 أبريل 2011

قيل عن حسين علام



الروائي الجزائري حسين علام بين سؤال الهوية.. والهاوية ـــ نور الهدى غولي
من عتبات الماضي وضيق الشعور بعدم التحرر وبكثير من خيوط الأسطورة والحكايا الشعبية وتفرعات "أخطبوط" الهويّة الجزائريّة لملم الكاتب حسين علام أطراف متنه الروائي جامعاً فيه أفكاراً تحتاج كلّ واحدة منها إلى مساحة معينة كي تأخذ حقها الطبيعي من الفهم والمعالجة.. ربما لم يستطع هذا الكاتب أن يصبر أكثر من أجل رواية أخرى ليقول فيها ما يريد..‏

"خطوة في الجسد" هو أول عمل روائي لحسين علام، الذي فاز بجائزة مالك حداد للرواية في دورتها الأخيرة. وكان اشتغاله الفعلي على نقاط وضعها خلال فترات متباعدة، دعماً لنصه الروائي الذي لم يتوان عن إثرائه بذاك الزخم، من دون أن يترك للقارئ فرصة للراحة قليلاً، ما عدا هوامش الحديث المتقطع بين السارد الحقيقي والآخر "المزيّف" / الرّاوي. فكرة الكاتب في طرح كل التفاصيل المتواترة كانت مغامرة حقيقية تتكئ أساساً على عرس لغوي أتقنه حسين علام إلى درجة اقتناص لحظات شعرية كاملة في نثره. تسير معه في نوع من التركيب المتتابع اللقطات، لم يكن يترك من فجوة توقظك، من فكرة كنت قرأتها سابقاً وقفزت منها إلى شيء آخر يشبهها ويكمّلها، دون أن تتفطن إلى التراكم الذي أتيت عليه وصار بداخلك.‏
تفشى أسرار حكاية يوسف وباية كاملة بين مجموعة من السكارى القابعين ذات ليل بارد طويل في ركن قصيّ، وتمّ هذا الاستثناء فقط حتى يوقف بنعمر بن خميس الصديق الحميم ليوسف، سيل الإشاعات التي فاضت عن حدّها حول العلاقة التي ربطت بين الشابين، وعن احتمالات موت المرأة وانتحار الرجل في نهاية درامية لأحداث لولبية صاغت أطر الحكاية.‏
مهمة سرد الرواية تولتها ثلاثة أصوات متباينة المنظور: بنعمر، يوسف والراوي المحايد في لحظات قليلة، وكان لكل منهم حصته من الكشف المتباطئ للحقيقة. وعبر سردهم المتتالي تم تهريب الكثير من الأفكار التي اعتملت في ذهن الكاتب طويلاً، واصطاد لحظاته المناسبة من أجل القذف بها في وعي المتلقي.‏
"الأنا" هو الضمير الأكثر حضوراً في "خطوة في الجسد". وتكاد تبدو لنا من الوهلة الأولى معالجة ذاتية لمحيط عائلي تختمر فيه الاختلافات، لحال الوطن، ولعدد من الحقائق الفردية البائتة في الصمت، قبل أن نعي أن تفرعاتها المنقسمة كانت أكبر من أن تلتصق بهمّ شخصي مركون منذ زمن عند حافة اعتراف يقترب من التصريح العادي..‏
تأتي "باية" من مدينة بجاية إلى مدينة تلمسان، يشدّها الفضول وحب الاطلاع إلى البقاء في تلمسان على رغم تهديد شقيقها لها ما لم تقبل بصديقه زوجاً لها. ترفض الانصياع وتبعث في يوسف الذي أحبها بذرة تمرد كانت نائمة فيه، ويدرك بعد إشارة منها، أن الحب وحده ليس كافياً من أجل الحياة، وأنّ سلطة المرء على نفسه تبدأ بكسر كل حاجز يعيقه.‏
تواصل باية الاختباء في بيت يوسف وفي جوّ عائلته، ندرك من تلقاء أنفسنا أنّ خطوة الإنقاذ التي يبدي يوسف استعداده لها، ليست بالأمر السهل في بيت مماثل وفي وطن يأكل أبناءه "كما الذئبة حين تجوع". يتواصل السرد الروائي في نفس واحد، ذلك أنّنا عرفنا من البداية أنّ هناك الكثير من احتمالات نهاية القصة.. إلى أن نفاجأ بنهاية أخرى.‏
نتذكر فجأة "حقيقة" ابن عربي التي تصدرت هامش الرواية عن دوران الحياة والأيام، وهي الحقيقة التي انطلق منها حسين علام، لتبرير فكرة شيوع خيوط الحكاية التي وصفها يوسف ولد الخرّاز وباية البجاوية.. هذه التي لم تعد أطرها تقتصر على أحزان هامشية لصيقة بالذات، وإنمّا هي وهج حقيقة ساطعة يخفيها الصمت "نحن يا خالتي في هذا الوطن نجرّب دوماً أوهامنا على أشلائنا. على بساط من الدّم والخراب... لا نفكر... بل نتحمس وفي الختام نكتشف متأخرين رعب المصائر التي ارتكبناها.."‏
بداية، كانت رغبة الناس قوية في معرفة الحقيقة، ومع الاقتراب من فصولها الأخيرة لم يبق إلا مصراً واحد مصرّاً على الإصغاء الكامل للحكاية! كانوا مستمتعين بهامش الإشاعات التي أبدعوا في نسجها، ولم يستطيعوا الصبر أكثر من أجل الحقيقة فسرعان ما تخلوا عن مهمة التلقي التي كانت ستتعبهم لأنّها مجرد يوميات عادية لمثقف غريب الطباع. ولم يستسيغوا ذاك البحث السرمدي عن شيء خفي لفتاة قادمة من بجاية.. (إنّ الناس يتقاذفون الحكاية مثلما يتقاذفون كرات الثلج لكنّهم يضعون فيها الحجارة أو أشياء أخرى حادة..".‏
كانت تلمسان مدينة تستحضر أشياءها الخاصة كما العادة دائماً، التحف سيدي بومدين رداءه الإيماني وحضر بكل معانيه. حضرت آثار أبواب القلعة العالية، وحديث عن ورد تركه يحيى بن خلدون، وأشياء هلامية تشي بعلاقة أندلسية بائدة. هذه الحواشي وسواها تكشف عن ملكة قوة التصوير التي يتقنها الكاتب، حتى أنّه تمكن من ربط حكاية أسطورية كانت باية ترويها لـه مع حادث حقيقي وهما جالسان قرب نار الكانون.‏
لم تكن المذكرات التي كتبها يوسف وقرأها صديقه بنعمر موجهة إلى حثالة سكيرين وحسب، وإنما كانت حقائق مغلفة بقشرة جميلة، هي حكاية العلاقة التي ربطته بباية. كانت لقرّاء افتراضيين يتلقون بدرجات متفاوتة خلفية القصة التي أكد من خلالها الكاتب بعض الهوامش التي كنا نعيها، وأعادها إلى سطح الذاكرة، وطرح تساؤلات جديرة بأن تطرح بين أبناء الوطن، وأشياء أخرى متواترة لمتلق عربي لا يأخذ الشيء الكثير.‏
هاجس السلطة الذي كان مسكوناً به، هو أكبر عائق يخلق التوتر النفسي داخله. كان رافضاً وصاية الأب، وسلطة الوقت عبر ساعة البيت الحائطية "المنجانا"، وقد تمكن في النهاية من كسر سطوتها عليه، مع الدفع الذي كانت تمنحه إيّاه باية عبر حكايا تراثية من المخيال الأمازيغي.. وعدا قالب الحكاية العام، نصطدم بكثير من "القضايا" كفكرة العدم في رمل الصحراء وثلج المدينة، وعلاقة الأب بالابن، وبسموّ الحب الحقيقي ونوع الرسائل المشفرة التي يتركها جانباً، وفضاء الأسطورة وحاشية الواقع، وجدلية الموت والحياة، وواقع وطن اختاره لـه السياسيون..‏
ويبدو الكاتب في الأخير واثقاً في قدرة القارئ على ملء الفراغات التي تركها معتمداً، بعد ممارسة طويلة لتقنية الفلاش باك مع فكرة المذكرات التي قرئت خلال ليلة ثلجية باردة. يظهر يوسف فجأة في بطاقة بريدية، وكأنه يبلّغنا سلاماً خاصاً، كان في بحر بجاية، وتحديداً في "ساحة الحرية"، في مدينة حبيبته باية، تماماً كما الأسطورة!!.‏
الرابط:
الروائي الجزائري حسين علام بين سؤال الهوية.. والهاوية ـــ نور الهدى غولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق