الأحد، 1 مايو 2011

اعترافات كاتب في الخيال العلمي - فيصل الأحمر/ جامعة جيجل -



اعترافات كاتب في الخيال العلمي
فيصل الأحمر/ جامعة جيجل



* الخيال العلمي عندي مغامرة في الكتابة أكثر من كونه نمطا محددا محصورا بالتعبير عن هواجس الغد القريب المتربصة بإنسان اليوم نتيجة لما يعتور العالم من تطور علمي، و من تبدل لأحوال الحياة.
    الخيال العلمي مغامرة في الكتابة بسبب إمكانيات الكتابة الكثيرة التي يمنحها للكاتب من المنطلق الأول الأصلي الرئيسي للخيال... أليس الخيال في تعريفه القاعدي هو تفكيك للواقع إلى قطع صغيرة ثم إعادة تركيبه حسب استراتيجيات معطاة ؟
    في إنجلترا، و بدءا من ستينات القرن 20 ، أطلق جماعة الطليعة الأدبية آنذاك قراءة جديدة للتسمية الاختزالية SF ، قرأوها Speculative Fiction بدلا من Science-Fiction ، فصار الخيال العلمي دالا على الخيال الافتراضي .
    إن الافتراض (أو المضاربة ) Speculation هي فعلا ما يفعله كاتب الخيال العلمي إذ يأخذ معطيات حاضرة ، فلسفة ، عقيدة ، اتجاه سياسي ، هاجس بيئي ، إنذار بكوارث طبيعية ، بحث علمي ... الخ ، ثم يغزل بالاتكاء عليها قصة يحاول توقع ما سيحدث لو أن ما يعتمل في " الحاضر " قد تحقق ، لو أن الخطر حل ، لو أن المحاولة العلمية قد نجحت ...

* في روايتي الخيال العلمي الأولى ( منشورة مسلسلة في جريدة " العالم الثقافي" 1997 ) تصورت عالما مقسما إلى ثلاثة كواكب ، أمريكا ، تشاينا و " إسلاميا " ( و هو عنوان الرواية ) ، و نحن اليوم ، بعد سبع عشرة سنة من كتابتها نعيش وضعا شبيها بما تخيلته ، لقد كان شعوري بالممانعة الآتية من الشرق قويا آنذاك ، و كانت التحولات الإقليمية كلها تشير إلى ظهور قطب أوروبي جديد ( الرواية مكتوبة عام 1994 ) ، و مع ذلك فقد بدا لي أن دور المشرق ، سواء الصين أو الدول الإسلامية سيكون أهم من دور أوربا، والعالم اليوم يصادق على رؤيتي .
     إن الأدب – كالسياسة – هو فن الممكن ... و الخيال العلمي يمنحنا إمكانية الإطلالة على ممكنات الفكر و اللغة و الجمال .

* روايتي الخيال العلمي الثانية ( و هي قيد الطبع في دار الألمعية ) مكتوبة عام 1997 وفيها اتجاه صوفي قوي جدا ، إنها رحلة في الفضاء الخارجي بحثا عن الذات .
    لقد عملت ثقافتي الصوفية على رسم خطوط الرواية ، إذ أن المتصوفة يؤمنون بالرحلة الداخلية ، و بأن العروج في معارج القدس الأعلى يؤدي إلى الغوص في مدارج النفس الأدنى إلينا ...
    في الرواية أيضا حضور بيئي شديد الإصرار على الدمار الذي تحدثه التكنولوجيا في الطبقات الدنيا لحياتنا، الأرض، الطبيعة، الحيوانات الهشة، النباتات التي لا نلمس فائدتها بمنطق السوق !... و لم أذهب بحثا عن كل هذا إلى التيارات السياسية " الخضراء " والمنظمات العالمية للدفاع عن البيئة بل اكتفيت بالعودة مرارا إلى منطقتين ريفيتين إحداهما منها أصولي ( دوار أولاد علال بجيجل ) و الثانية فيها جل مراحل حياتي       ( مدينة "الميلية" شمال ولاية جيجل ) ... فكانتا مصدر إلهامي الأول.

* الرواية الموالية ، و التي أعدها أكثر أعمالي الخيال العلمي اكتمالا هي " أمين العلواني" ( كتبت بين 1999 و 2001 و نشرت عام 2007 بدار المعرفة ) ... و هي رواية جمعت أشتاتا كثيرة من فنون القول ( المذكرات ، البيوغرافيا ، الشعر ، التسجيل بالكاميرا ، المنتخبات الأدبية ، القصة ، الدراسة النقدية ...) و كل ذلك في إطار ترجمة لحياة كانت ستعيش في المستقبل هو المدعو " أمين العلواني " إنها رواية تأملية فلسفية تنظر في جوهر الأدب و الفن ، و القدر ، في الصلات المعقدة بين النص الأدبي و التاريخ، الإنسان و الكلمات ، و تتأمل كثيرا في وظيفة الأدب التي يبدو أنها اهتزت بقوة في القرن 20.
     هي رواية تجريبية لأنها تحتوي لعبا بالكتابة، بالأفضية الطباعية بقواعد الكتابة الروائية ، و بكثير مما درجنا على عدة قواعد لكتابة الرواية لا تتبدل و لا تتحول …
" أمين العلواني "بالنسبة إلي تعبر عن الإمكانيات الكبيرة للتعبير الأدبي التي تمنحنا إياها كتابات الخيال العلمي ، إنها دفع للأمور إلى حدود بعيدة ، حاولت من خلالها إثبات القدرة الكبيرة لهذا النوع المنفتح بالضرورة على التجريب لكونه موجها مبدئيا صوت الغد  المقبل الآتي … أليس الخيال العلمي في عرف كثير من الناس هو أدب المستقبل ؟ إنه كذلك بالمعنى الحقيقي و المعنى المجازي " أمين العلواني " منحتني إمكانية التلاعب بقواعد التخيل البسيطة أو القاعدية ، فقد تخيلت في مقطع ما من الرواية أن الشخصية الأدبية المسماة "أمين العلواني"  ستجد كتابي حولها و تقرؤه ، ثم جعلت أتصور ردود فعلها إزاء كاتب يرسم حياتها بأدق التفاصيل ، ثم قبلت أنه ربما سيثيره ذلك الكاتب الذي رسم حياته فيبحث عن أسراره و يكتب حول تجربة ذلك الكاتب المغمور الفاشل المسمى " فيصل الأحمر " و أنشأت لعبة مرايا كبيرة جدا يحاور من خلالها كل كاتب من الاثنين صورة الآخر في زمن آخر ، مع تعليقات السارد ، ذلك الشخصية الكبيرة المسماة هو، والتي أعطيتها أنا اسما في روايتي و جعلتها هي المؤلف الحقيقي لسيرة أمين العلواني

 

 

*  أنقل الآن مقدمة الرواية لان فيها إضاءة لما وددت القيام به، وما حرك العمل كافة:

(   فاتحــــــة


أن تكتب رواية خيالية علمية معناه أن تواجه الواقع وألا تهرب منه أبدا معناه أن تكون حذرا لأن الواقع في خ.ع  متحرك دائما، حقيقي، ينبض حياة كثيرا ما عانى الواقع من الجمود وفقدان القدرة على الإعراب عن نفسه تحت أقلام الروائيين "الواقعيين " إنه واقع فوتوغرافي والصورة الفوتوغرافية تستطيع أن تكون كل شئ ما عدا واقعا فالواقع طبقات من الأشياء المحسوسة ودرجات من الوعي بالشيء نفسه وطرق عديدة لتأويل ما تلتقطه الحواس ويعيه العقل والأدب الواقعي عاجز عن ترجمة هذه الأشياء
إن هـذا هـو ميـدان روايـة الخيـال العلمـي.
كان نيتشه يتحدث عن " تعدد الحقائق " رادعا ثقة  " مرحلة الأنوار " في الوعي بالمحيط وثقتها في قدرة العقل على إدراك الجواهر كلها من الميتافيزيقا إلى المحسوسات المختفي معناها بشكل ما ونتحدث اليوم عن "تعدد الواقع " هل الواقع ما نظنه نحن واقعا ؟ هل الواقع ما نعيشه في اليقظة أم أن اليقظة حالة غير حقيقية نغوص فيها متى استيقظنا من النوم الذي يكون بذلك الواقع الحقيقي غير المخدوع ولا المخادع ؟ أم أن الواقع ما يراه ويعيشه السكران أو المريض المهلوس أو المخدر ؟ وما هو الواقع " الواقع " عندما يعيش مجموعة من الناس وضعية واحدة ويعيها كل منهم بطريقة ؟ من من هؤلاء الواعين يعي الواقع في حين يكون الآخرون مخطئين في حسبانهم؟
الخيـال العلمـي هو الوحيد الكفيل بإجابة هذه الأسئلة
أن تكتب رواية خيالية علمية معناه أن تتحلى بشجاعة وجرأة معينة لان ما يتخيله الواحد منا حول شكل المستقبل غالبا ما يأتي المستقبل ليظهر سخافته وضعف مخيلة صاحبه والعزاء الوحيد للكاتب الذي يصبح مضحكة هو أنه غالبا ما يكون ميتا غارقا في واقع البرزخ وما بعد القبر من واقع ! !...
ألا يكون الواقع هو ما ينتظرنا بعد الموت وتكون الحياة كلها حلما أو لعبة خيالية تدور أحداثها على ارض خيالية اسمها "الأرض " مثلا ؟
أن تكتب رواية خيالية علمية معناه ألا تنتظر اعتراف المحيط بلا مباشرة لان هضم القراء والنقاد لروايات الخيال العلمي منذ قرابة القرنين هضم عسير في أغلب الأحيان إذ أنه قلما نالت رواية خ. ع جادة اعتراف القراء والنقاد مباشرة والعزاء الوحيد هنا أيضا هو اللذة التي يجدها كاتب هذا النوع وهو يكشف عن واقع مخيلته، وتصوروا تلك اللذة وأنا أفتح بوابة دماغي على الواقع الوحيد الموجود فيه، الواقع الذي لا يعرفه أحد سواي، الواقع الذي ظل خفيا حتى تسنى لي أن أطلع عليه الآخرين، الواقع الذي أجتهد وأتلذذ بكتابته ووصفه وسرد حيثياته قطعة قطعة، وطيلة عام أو عامين من الكتابة وأنا أخرجه إلى أن يأخذ شكله النهائي الذي هو هذا الكتاب !
ربما يوجد عزاء آخر هو الطمع في المجد (ألم يسمها أرسطو "غريزة المجد "؟)
أن يعمل الكاتب في صمت، أن يجتهد أن يكون وفيا لرؤاه، أن يخترق المحظور ويتجاوز الحدود التي يراها خرقاء حمقاء أن يكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين أن يحب عمله ويحب الآخرين ويكتب وهاجسه الوحيد التوصيل لأجل التواصل مع أهله (مع أهله مرتبين من عائلته وأهل بيته إلى القارئ الافتراضي الذي قد يكون في اليابان وبعد قرنين أو ثلاثة من الزمن).
أن تكتب رواية من الخيال العلمي أخيـرا- معناه أن تكون من المجانين الذين يتخلصون نهائيا من الجاذبية ومن سلطة أنساق المجتمع العاقل، وأنظمة المنطق، وواجبات الاتجاه السياسي، أن تجيد السير إلى الخلف مثل إبراهيم رمضان(بطل قصتي "المجنون" من مجموعتي خ.ع "وقائع من العالم الآخر-الصادرة عام 2002)، وألا تكون حريصا على المحاباة والوصول وإرضاء المقربين، وألا تحترم إلا الحق، الحق الذي يقف متحديا للباطل منذ بدء الخليقة دون هدنة أو اتفاقيات مربحة ودون إدبار أو بحث عن أرضيات مشتركة وحلول وسط تمسك بالعصا من وسطها.

 

ماذا عن "أمين العلواني" ؟

أمين العلواني مولود وحي يرزق وأحداث حياته أمامك في الكتاب مالك الأديب موجود وهو كاتب سيرة أمين العلواني الأديب المشهور والدليل على ذلك الكتاب الذي بين يديك
وأمين العلواني يترجم لحياة كاتب قديم مشكوك في قيمته الأدبية هو فيصل الأحمر وهذا الشخص أيضا موجود واسمه على غلاف هذه الكتابة /الرواية/السيرة/الترجمة/الدراسة/التأريخ وكل الدلائل تدل على أنه موجود
فيصل الأحمـر كتب كتابـا عـن أمين العلواني مع مطلع القرن الحادي والعشرين أي قبل ميلاده
أمين العلواني المستقبلي يشبه أمين العلواني الماضوي وهذا الأمر ليس محيرا على عكس ما يقوله مالك الأديب الذي سيأتي بعد أمين العلواني بنصف قرن تقريبا والدليل هو ما تقوله ترجمة مالك الأديب عن الشخصين (أمين العلواني /الرواية وأمين العلواني المؤلف ذائع الصيت)
وفيصل الأحمر موجود في نهاية القرن الحادي والعشرين بفضل كتاب أمين العلواني عنه، وذلك ما يؤكده مالك الأديب (كاتب سيرة العلواني )
ومالك الأديب هو شخصية قديمة لرواية كتبها فيصل الأحمر مع بداية القرن الحادي والعشرين
إنها أشياء تشبه الخيال العلمي
فلنرجئ الكلام عنها إلى نهاية هذا الكتاب الذي كتبه فيصل لا الذي كتبه هو مالك الأديب وهو لا أغلب ما في الكتاب أعمال من تأليف أمين العلواني الذي هو بطل ترجمة مالك الأديب التي هي رواية لفيصل الأحمر الذي هو بطل لكتاب لأمين العلواني الذي هو بطل لكتاب لمالك الأديب الذي هو بطل رواية فيصل الأحمر كما هو وارد في ترجمة للعلواني كتبها مالك الأديب الذي أوجده أول مرة فيصل الأحمر الذي هو



* ولي كذلك مجموعة قصصية عنوانها " وقائع من العالم الآخر ( صدرت عام 2003 عن منشورات إبداع ) ، و هي أقاصيص من الخيال العلمي طبعا تميل إلى التجريب مع تناول الموضوعات الشائعة في ميدان الخيال العلمي كالسفر في الزمن و الأبعاد العجائبية، و آثار البحث العلمي المجنون، و التصورات الكارثية للعالم في ظل التطور الحالي، ... مع حضور قوي للهواجس الفلسفية التي تسكنني ككاتب لا يستطيع الامتناع عن التفكير ... هواجس مثل : دور الإرادة، إرادة الحرية، الإنسان و ضرورة التسامي العبقرية وإطارها الاجتماعي ، القوة المطلقة في يد الإنسان المحدود بغرائزه، الجنون، الأزمات الوجودية وصلتها بضرورات المجتمع ، الصراعات على القوة و السيطرة و ما شاكل ذلك .   
* من المحطات الهامة في مسيرة الخيال العلمي التي خضتها اشتغالي النقدي، وخصوصا ذلك الذي كان على متن الصحف في الفترة بين 1992 و 1998 ، و هي فترة اعتقد أننا؛ مجموعة من الأصدقاء المتحمسين وأنا، بحثنا وعملنا بجد على تذليل صعوبات النوع على القارئ الجزائري ، لقد كان الخيال العلمي يدخل البيوت عن طريق جرائد واسعة السحب ، و كنا مكثرين بحيث أنه يندر أن تخرج صفحة ثقافية أو أدبية أسبوعية دون أن تكون فيها إشارة إلى مقابل ، أو تعقيب أو نقد ، أو رد ، أو رد على رد ، أو قصة من الخيال العلمي أو قراءة نقدية في قصة أو حوار أو ترجمة لأقصوصة أجنبية أو ترجمة لمقال تعريفي ...كل ذلك بكميات كبيرة ، و بمستويات متفاوتة ، متراوحة بين الصرامة الأكاديمية و تذليل المعارف المتماشي مع قراء الجرائد واسعة السحب .
    انتهى الأمر بإنشائي لجريدة " العالم الثقافي " (1996 – 1998) أين خصصت ثلاث صفحات كاملة ثابتة لحلمي القديم ( الخيال العلمي ) صفحتان تحت عنوان ( فضاءات الخيال العلمي ) و الصفحة الثالثة لنشر روايتي الأولى ( إسلاميا أو الكوكب الفاضل ) ، و هو شيئ لم يسبق له مثيل في الصحافة العربية .
أعتقد أن ثورة الشباب تلك لعبت دورا كبيرا في فتح الأبواب و توسيع الآفاق الدراسية و أنه لولا تلك الفترة التي عبرت بشكل ما عن المقاومة الثقافية للإرهاب و التيارات الظلامية التي كانت سائدة في البلاد ، لولا كل ذلك لما رأينا اليوم رسائل دكتوراه تنجز حول الخيال العلمي الجزائري .

* لن أمر إلى الأمام في شهادتي هذه دون التوقف عن ترجمتي لرواية ( عالم جديد فاضل BRAVE NEW WORLD) للانجليزي ألدوس هكسلي و هي من التحف الأدبية العالمية ، و قد ترجمتها باكرا ( 1992) ثم أعدت تنقيح الترجمة مؤخرا لكي تنشر عام 2009 ( عن دار بنابي ) في حلة أنيقة ...
    إنها رواية تنتمي إلى ما يسمى باليوطوبيات المضادة ، أي تلك اليوطوبيات التي ترسم صورا قاتمة حول المستقبل منبه إلى ما يحدق بالبشر من خطر إن ساروا في بعض المسارات المغطاة .
   هي رواية كثيفة المعاني ، تعكس جيدا الذهن الثاقب للفيلسوف الأديب الذي ألفها (ألدروس هكسلي) بثقافته المذهلة ، و قدرته الثاقبة على اختراق المعاني ، و دقة التصوير و طرافة التخيل .

     شيء كالخاتمة:
لا أدري أن لي تجربة كافية للخروج بخلاصات، إلا أن هنالك مسيرة يبدو أنها ستكون طويلة بسبب ضعف حظ أمتنا من العلم و المعرفة و الثقافة العلمية و من الحرية و الجرأة على التفكير ... و هي كلها محاور رئيسية تدور حولها كتابات الخيال العلمي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق